[ad_1]
تأخر الخُطَّاب، أو تكرار خروجهم من منزل ذوي العروس، وعدم عودتهم إليه عقب الزيارة الأولى، والشعور بالضيق الدائم من لقب «عانس».. أمور تدفع كثيراً من الفتيات وأمهاتهن وذويهن للجوء إلى محتالين ومشعوذين، أملاً في العثور على حل لديهم. وعلى الرغم من إدراكهم لاحقاً أنهم أوقعوا أنفسهم فريسة لمحتالين، فإنهم يتمسكون بالأمل الوهمي الذي يدفعهم إلى الاستمرار في خداع أنفسهم.
ونظراً لهذه الضغوط أنفقت إحدى الفتيات 10 ملايين درهم بسبب «كذبة»، ظنت أنها ستمهد لها طريق الزواج، فيما تكلفت أخرى أربعة ملايين درهم، بعدما أقنعتها إحداهن بأن سبب «عنوستها» هو «جني عاشق» تلبّسها، واعترض كل الطرق أمام زواجها.
قضايا منظورة أمام المحاكم، وأحكام قضائية أوردتها دائرة القضاء في أبوظبي، ضمن إصداراتها «قصص وعبر من واقع محاكم أبوظبي»، كشفت عن تعرض كثير من الفتيات الباحثات عن الزواج، للوقوع في فخ أصناف من الدجالين.
وقد ضبطت الأجهزة المعنية أخيراً امرأة أنشأت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، «فيس بوك» و«تويتر» و«إنستغرام»، أوهمت من خلالها ضحاياها (غالبيتهن خليجيات)، بقدرتها على توفير عرسان إماراتيين لهن.
وحصلت من كل ضحية على مبالغ مالية وصلت إلى 30 ألف درهم، في حال كان توافر الوسامة في العريس أحد الشروط.
وكانت تختفي فور الحصول على المبلغ المطلوب من ضحيتها، تاركة وراءها الحيرة والتساؤلات ومشاعر الخيبة.
وكانت سلسلة الاحتيال ستتواصل مع ضحايا جديدات، يعشن تحت هذه النوعية من الضغوط الاجتماعية، لولا إبلاغ إحدى الضحايا عنها.
وأظهرت التحقيقات الخاصة بالقضية أن الفتيات اللواتي ثبت وقوعهن ضحية للمتهمة من خلال مراجعة حساباتها الإلكترونية، رفضن اتهامها، وأنكرن معرفتهن بها، خوفاً من الفضيحة، إلا أن النيابة اكتفت بادعاء الضحية الوحيدة التي أبلغت عنها، ليتم تحويلها إلى محكمة جنح أبوظبي، التي أدانتها وعاقبتها بالحبس ثلاث سنوات والإبعاد عن الدولة.
وفي قضية أخرى، استغلت إحدى الفتيات رغبة أم صديقتها في تزويج ابنتها وشكواها من تكرار فسخ خطبتها دون سبب، واستولت منهما على ما يقرب من أربعة ملايين درهم بعدما أوهمتهما بوجود جني يعشق الفتاة، ويسكن جسدها، ويمنع زواجها، وأنه هو المسؤول عن إفشال زواجها ممن يتقدمون لها، وأخبرتهما بأن المطوعة التي تعرفها هي من أخبرتها بذلك، وأكدت أنها تستطيع تخليصها من الجني العاشق، وأن تفتح لها نصيبها مع أي إنسان ترغب في الارتباط به.
وأكدت الفتاة للأم أن «المطوعة» أخبرتها عن تلبس الجن في أركان المنزل، ومقتنياتهم، وأن عليها أن تخرجه، لكي تتخلص من النكد وتستطيع تزويج ابنتها، ومن ضمن هذه المقتنيات مصوغات ذهبية تعود للفتاة ووالدتها وتصل قيمتها إلى أكثر من 700 ألف درهم.
ونفذت الأم وابنتها الطلبات وأعطتاها المصوغات الذهبية بهدف الخلاص من لعنتها، كما أعطتها الفتاة كل ما تملك من مال، واستكملت مبلغ المليون درهم الذي طلبته صديقتها بقرض بنكي.
وبعد فترة أخبرتهما بأن سحر المنزل انتهى وأن المطوعة تريد تخليص الفتاة من الجني العاشق، وحذرتهما من أنه قوي وسيد في قومه، لذلك سيكلفهم إخراجه مليونين و700 ألف درهم، ونصحتهما ببيع منزلهما لتأمين المبلغ المطلوب.
وقد حصلت من الأم على إيصال أمانة إلى حين تسديد المبلغ، ثم استغلته في مقاضاة الأم، ومطالبتها بأداء مبلغ إيصال الأمانة، وعندها أدركت الأم وابنتها أنهما كانتا ضحية لعملية احتيال متقنة، فسارعتا بتقديم بلاغ إلى النيابة العامة التي سمحت لهما بفتح البلاغ بعد أن قدمتا لها نسخة من الرسائل والحوارات التي تمت بين الطرفين حول الموضوع، وبالتحريات تبين أن للمشكو ضدها سوابق مشابهة، والغريب أنها أنكرت معرفتها بهما على الرغم من وجود قضية تنفيذية بينهما.
قضية ثالثة أوردتها دائرة القضاء في أبوظبي، حول فتاة خليجية تشغل منصباً في أحد البنوك حاولت لفت نظر عميل أعجبت به، فأوهمته بأنها من عائلة ثرية جداً لتشجيعه على الزواج بها، وقد استغلها الأخير في الحصول على أموال وهدايا باهظة الثمن له ولأسرته.
وأوضحت الفتاة في اعترافاتها أنها تجاوزت الـ30 من عمرها ولم تتزوج بعد، ما تسبب لها في آلام نفسية، خصوصاً أن شقيقاتها وبنات أعمامها وعماتها وأخوالها وخالاتها قد تزوجن، ومعظمهن أصغر منها، وأقل جمالاً وعلماً، ولهذا أرادت الزواج بشخص يليق بصبرها، ليقلن إنها كانت محقة في الانتظار، مشيرة إلى أنها أرادت عريساً وسيماً ومتعلماً وصاحب شخصية مميزة.
وقالت: «الشاب الذي أوهمني بالحب كان عميلاً في البنك الذي أعمل به، وبدأت بيننا علاقة إعجاب، إذ لاحظ انبهاري به بعد أن أوهمته بأنني من عائلة ثرية، وفي المقابل أوهمني بأنه صدقني ومارس لعبته في استنزاف الأموال التي اختلستها من البنك لأرضيه»، مشيرة إلى أنها كانت تعتقد بأنه صدق ثراءها إلى أن قال في تحقيقات النيابة أمامها إنه كان يعلم بأنها من عائلة بسيطة، وإنه استغل كذبتها واستخدمها ضدها.
وأشارت إلى أن العاشق الكاذب بدأ في اختلاق الأكاذيب للحصول على الأموال منها، فمرة يقول إن شقيقه سيسجن بسبب تعثره في سداد قرض، لتعطيه قيمة القرض، ومرة يأتي مهموماً ويخبرها بأن أمه تسببت في حادث سيارة والسيارة غير مؤمن عليها تأميناً شاملاً، وستبقى من دون سيارة، ما دفعها لشراء سيارة جديدة لوالدته، وأخرى لأخته وثالثة لوالده بدلاً من سيارته القديمة، إضافة إلى ساعات وهدايا باهظة الثمن، والتكفل برحلات السفر والتسوق، لافتة إلى أن إجمالي ما صرفته على عريس المستقبل وأهله، وصل إلى 10 ملايين درهم، اختلستها من خلال إجراء عملية سحب على المكشوف من البنك الذي تعمل به.
وأكدت المستشارة القانونية، هدية حماد، أن بعض الناس لا يتوانون عن اللجوء إلى المشعوذين على الرغم من انتشار التعليم وتراجع الأمية وتحذيرات وزارة الداخلية للمواطنين والمقيمين من الانسياق وراء ادعاءاتهم، ظناً منهم أنهم قادرون على تحقيق أمنياتهم المستعصية، منها – على سبيل المثال – العثور على عريس، ومعرفة بعض الأمور الغيبية، ما يجعلهم فريسة سهلة لهؤلاء المحتالين، أو من يسمين أنفسهن «خاطبات».
وشرحت حماد أن «الخاطبة» توهم ضحاياها بأن لها المقدرة على تحقيق رغباتهن في الحصول على عريس، وينتهي الأمر بالاستيلاء على أموالهن.
وأشارت إلى أن «ضياع الأموال في مطاردة وهم، يظل أقل الخسائر، وأنا لا أستبعد احتمال أن يتخطى الأمر ذلك إلى ارتكاب جرائم أخلاقية في حق الضحايا، وقد يترتب على ذلك أيضاً حدوث جرائم ابتزاز لهن، وساحات المحاكم مليئة بأنواع مختلفة من هذه القضايا».
وأكدت حماد أن «سلوك هذا الطريق، فضلاً عن مخالفته تعاليم الدين الإسلامي، يعد مخالفة قانونية، إذ يعرف القانون الشعوذة بأنها ادعاء علم الغيب، أو معرفة الأسرار، أو الإخبار عما في الضمير بأي وسيلة كانت، بقصد استغلال الناس»، مشيرة إلى أن «القانون يورد عقوبة لمن يمارس تلك الأفعال، هي الحبس والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم، كما يحدد عقوبة لمن يستعين بساحر أو مشعوذ، هي الحبس أو الغرامة».
وأوضحت أن المادة 399 من قانون العقوبات الاتحادي تنص على أنه يعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من توصل لنفسه أو لغيره على مال منقول أو سند أو توقيع هذا السند أو إلغائه أو إتلافه أو تعديله، بالاستعانة بطرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة، متى كان من شأن ذلك خداع المجني عليه وحمله على التسليم.
وعزت الاختصاصية النفسية والمستشارة الأسرية موزة سعيد، مشكلة ذهاب الفتيات إلى المشعوذين والخاطبات الوهميات إلى الثقافة السائدة في المجتمع العربي عامة، والخليجي خاصة، مشيرة إلى أن أغلبية الأسر تعاني قلقاً شديداً في حال تجاوزت إحدى بناتها سن الـ25 عاماً ولم تتزوج، كأن كارثة حلت بها، والبعض يبدأ بالشعور بالقلق مع بلوغ الفتاة سن الـ18 عاماً، لذلك يبدأ وصف الفتاة بأنها عانس.
وقالت إن «المشكلة هي في طريقة التفكير، فعلى الرغم من أن أغلبية الفتيات في هذه الأيام يفضلن الانتهاء من الدراسة، والحصول على وظيفة، والاعتماد على أنفسهن، على التقيد بحبال الزواج، وتحمل المسؤولية، فإن العادات والتقاليد تتعارض مع هذه الرغبات، ما يدفع كثيراً من الأهالي للجوء إلى المشعوذين والخاطبات، وصرف مبالغ كبيرة لتجنب تأخر زواج بناتهم».
وأشارت سعيد إلى أن «أغلبية الخاطبات غير صادقات، ونسبة كبيرة من الزيجات التي تتم من خلالهن تفشل قبل مرور عام على الزواج وتنتهي بالطلاق، لاختلاف توجهات الزوج عن الزوجة، كما أن أغلبية عرسان الخاطبات كبار في السن ومتزوجون ويبحثون عن فتاة صغيرة لتكون زوجة ثانية أو ثالثة لهم».
وأكدت أن التوعية يجب أن تبدأ من الأهالي أنفسهم من خلال توعية البنات والشباب من الصغر، وطرح هذه المسألة في المناهج، مشيرة إلى أن «المجتمع كان يعاني في السابق العنوسة فقط، أما الآن فلدينا طلاق مبكر وعنوسة».
من جانبه، قال أستاذ الثقافة والمجتمع بالجامعة الكندية رئيس مركز القوى الناعمة للاستشارات والتدريب، الدكتور سيف راشد الجابري، إن «هذه المشكلات تظهر عندما لا نفتح نوافذ صحيحة لمعالجة مثل هذه التحديات»، مشيراً إلى أن «عدم وجود قنوات رسمية وموثقة للتوفيق بين الشباب والشابات، وتيسير أمور زواجهم، أوجد خاطبات غير موثوقات، ومواقع زواج إلكترونية تستغل حاجة الفتيات للزواج، وتبتز أموالهن، وقد تتحرج الضحايا ويمتنعن عن إبلاغ الشرطة، خشية افتضاح أمرهن».
وأوضح الجابري أن وهم العثور على زوج من خلال خاطبات وهميات يستغللن حاجة الفتيات للاستقرار العاطفي وبناء أسرة، يؤدي إلى تدمير جانب مهم من قيم المجتمع، مشيراً إلى ضرورة توحيد الجهود في حماية الفتيات وتكثيف الجهود المبذولة من الجهات المعنية للكشف عن الحسابات والمواقع الوهمية الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي، والقبض على بائعي الوهم للأبرياء.
وشدد على ضرورة قيام الجهات المعنية بالدولة بعقد ندوات وورش عمل ومحاضرات، خصوصاً في المدارس الثانوية للبنات، لحمايتهن من الوقوع في حبائل إغراءات الاستقرار الوهمي الذي ينتج عنه تفكك مجتمعي.
رأسان في الحلال
شهدت محاكم الدولة، أخيراً، قضية خاصة بشاب من دولة إفريقية، أنشأ حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وخدع كثيراً من الشباب والفتيات، وحصل منهم على مبالغ مالية، راوحت بين 60 و70 ألف درهم بدعوى مساعدتهم على تحقيق حلمهم بالزواج من خلال «التوفيق بين الرأسين في الحلال».
واعترف المتهم بعد القبض عليه بانتحال صفة فتاة تعمل بمهنة خاطبة للاحتيال على الراغبين في الزواج، وبأنه تمكن من خداع عدد كبير من الفتيات والشباب، داخل الدولة وخارجها، حيث كانوا يقومون بإرسال المبالغ التي يطلبها منهم عن طريق حساب مصرفي معتمد في الدولة لمن هم خارج الدولة، أو عن طريق أحد محال الصرافة للموجودين داخل الإمارات.