[ad_1]
تشير الإحصائيات الخاصة إلى أن مستقبل العمل مخيف، حيث يهدد التشغيل الآلي، والتحول الرقمي، وغيرها من أشكال التكنولوجيا بإزالة ملايين الوظائف، حيث المهارات التي توفر الكثير من الوظائف اليوم سيعفو عنها الزمن بسبب ما يسمى الثورة الصناعية الرابعة، أو «الصناعة 4.0» اختصاراً.
وهذا أمر مخيف ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، حيث تبلغ معدلات البطالة بين الشباب حوالي %75.
إنني قلق جداً في ما يخص قدرة القوى العاملة العالمية على تحمّل هذا التغيير الجذري، والطريقة الوحيدة للمضي قدماً هي الاستثمار بكل شجاعة وقوة في التعليم والتدريب على المهارات بشكل أفضل.
وفقاً لتقرير حديث أعدته شركة ديلويت و«التحالف العالمي للأعمال من أجل التعليم»، سيبحث أرباب العمل في المستقبل عن العمال الذي يتمتعون بـ4 أنواع أساسية من المهارات. ولعل المهارة التقنية هي جزء من هذا المزيج بالتأكيد، بل حتى المهارات النّاعمة كالإبداع، وحل المشكلات، والذكاء العاطفي ستهيئ الناس لمستقبل العمل المجهول.
وستبقى أساسيات جهوزية اليد العاملة تكتسي أهمية كبيرة. وسيكون هناك تركيز أكثر على ريادة الأعمال، حيث اقتصاد الوظائف المؤقتة يجني أرباحاً أعلى ويقدمها للعمال المبتكرين والذين يأخذون زمام المبادرة.
هذه المهارات تصبح أكثر أهمية بشكل متزايد ولكنها غير متوافرة على نطاق واسع، حيث تُظهر دراسة جديدة أنه بحلول عام 2030، سيكون فقط %46 من بين 102 مليون طفل يعيشون في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا على المسار الصحيح لإكمال الدراسة الثانوية وتعلم المهارات الثانوية الأساسية.
وستبقى معدلات الدراسة في المدارس الثانوية ثابتة بنسبة تقدر بـ%40 في كل من لبنان والأردن، وستكون أقل بكثير في سوريا واليمن اللتين مزقتهما الحروب. هناك خلل مزمن في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا ومناطق أخرى من العالم حول ما يحتاجه أرباب العمل وما يقدمه العمال.
التعليم لديه القدرة على تصحيح هذا الخلل، إن الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في ضمان التعليم السليم المنصف والشامل ليس هدفاً تعسفياً، بل إنه ضروري لضمان أن الأطفال والشباب حول العالم لا يلتحقون بالمدارس فقط، بل إنهم أيضاً يكتسبون المهارات اللازمة لتحضيرهم للثورة الصناعية الرابعة.
إننا لا نستثمر في الوقت الحالي بما يكفي، وهذا قد يكون له عواقب وخيمة، بما في ذلك زيادة عدم المساواة في الدخل والبطالة، حيث سيعتمد العديد من الناس على المساعدات الحكومية أو سينتقلون عبر الحدود كجماعات من المهاجرين الاقتصاديين.
هذه التطورات ستُرهق الموارد المالية العامة وستؤدي إلى تأزم الاستقرار السياسي. هناك تكلفة لهذا الأمر لا تستطيع الحكومات أو الشركات أو حتى الناس العاديون تحملها.
الاستثمار الأكثر حكمةً، مع عائدات استثمار أفضل وأكبر هو تزويد كافة الشباب المهارات التي يحتاجونها للمشاركة في الاقتصاد المعاصر. وأحد أكبر العوائق أمام تحقيق هذا الهدف هو شُح التمويل الموجه لقطاع التعليم.
وحتى لو بذلت البلدان النامية قصارى جهدها لزيادة الموارد المحلية وزادت الدول المانحة من معوناتها المخصصة للتعليم، ستظل هناك فجوة كبيرة في التمويل. إننا بحاجة لحلول مفصلية لتوفير هذا التمويل الضروري.
وأحد هذه الحلول يسمى «التعليم لا يمكن أن ينتظر»، حيث يوفر هذا الصندوق الجديد التعليم لأطفال العالم الأكثر حرماناً الذين يعيشون في حالات الطوارئ. ويتأثر واحد من كل 4 أطفال في عمر الدراسة حول العالم بالحروب أو الكوارث الطبيعية، حيث العواقب تكون مدمّرة.
دعونا لا ننسى أنه قبل اندلاع الصراع في سوريا كانت البلاد تتمتع بالتحاق شامل بالمدارس، كما وصل معدل مهارات القراءة والكتابة لـ%95. وأما اليوم، فيذهب حوالي نصف الأطفال السوريين اللاجئين فقط إلى المدارس.
ورغم الحاجة الملّحة، %2 فقط من المعونات الإنسانية تُخصص لقطاع التعليم. لا يصر صندوق «التعليم لا يمكن أن ينتظر» على زيادة التمويل فقط، بل أيضاً على تحسين التنسيق ووضع التعليم ضمن أولويات الاستجابة خلال الكوارث.
وأما الحل الثاني، والذي يسمى «مرفق التمويل الدولي للتعليم»، فيعِدُ بأن يكون أكبر استثمار من نوعه في مجال التعليم عبر التاريخ. حيث سيمكّن 200 مليون طفل من الالتحاق بالمدارس والتعلم. ومن خلال التعاون مع البنوك، سيستخدم «المرفق» ضمانات المتبرعين والمنح لتوفير تمويل جديد كافٍ من 5 إلى 10 مليارات دولار إضافية في عام 2020 لجعل التعليم السليم متوافراً للأطفال في شتى أنحاء العالم.
تتطلب هاتان المبادرتان المهمتان تمويلاً للانطلاق وإحداث أثر حقيقي على أرض الواقع. وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل، ستتاح الفرصة للقادة العالميين للالتزام بتقديم التمويل دفعة أولية من المنح البالغة 2 مليار دولار أمريكي والتي ستقدم كضمانات لـ«مرفق التمويل الدولي للتعليم»، و1.8 مليار دولار ستخصص لصندوق «التعليم لا يمكن أن ينتظر» حيث ستستطيع الدول المانحة أن تطلق رسالة قوية دعماً للأطفال حول العالم.
بصفتي قائداً في مجال العمل الإنساني، وله خبرة طويلة في القطاع الخاص وعلى دراية بتأثير التعليم في الاقتصاد العالمي، أدعو الجميع إلى اتخاذ إجراء عاجل، لأن «الصناعة 4.0» لن تنتظر.