«حي بن يقظان» رواية من العصور الوسطى ألهمت الأدب الأوروبي

[ad_1]

من خلال قراءتنا رواية «حي بن يقظان» لابن طفيل، وهي رواية تبلغ من العمر اليوم نحو 850 عاماً، نلاحظ أن الحضارة الإسلامية كانت تحفز على البحث بأشكال متنوعة، حين كانت إسبانيا إسلامية «الدولة الأندلسية».

حيث ازدهرت فنون الفلسفة والتاريخ والتصوف، لنجد هذه الرواية الأدبية الفلسفية الصوفية الفكرية الروحية اتخذت من الخيال مسلكاً، ومن اللغة القوية المجازية عبوراً، ليتأثر بها الأوروبيون وتلهمهم لكتابة أشهر الروايات.. ونتعرف اليوم إلى هذه الرواية وظروفها، ودواعي كتابتها.

تراث فكري
نحن لا نعرف متى كتب أبوبكر ابن طفيل روايته بالتحديد، لكن استناداً إلى حياته التي عاشها بين (1185-1110م)، فإنه كتبها في القرن الثاني عشر الميلادي، ولكن الأهم هنا أنه ترك لنا رواية تعد من أكثر إبداعات التراث الفكري الكلاسيكي الإسلامي تأثيراً حسب مجمل آراء النقاد، أما نحن اليوم فنجدها دراسة جيدة عن أسلافنا وتصوراتهم الفكرية حول السلطة وحرية الفكر الإنساني في البحث عن النمو البشري والسعادة والجنة.. وكل تساؤلات الإنسان الموروثة والمتجددة.

خاصة أننا نجد في معظم الروايات التاريخية المعاصرة الكثير من الأساليب الصناعية الجافة، أو روايات تاريخية متحفظة، بينما يتعين على المؤلف أن يضع أسلوباً مغلفاً بالعاطفة الإنسانية والحسية مهما كان نوع الرواية.

كما وجدنا في رواية «حي بن يقظان»، التي توافر فيها من الحرية ما غلب على زمننا الذي نعيشه، بل أتت حينها حتى على بقية المفكرين في عهد ابن طفيل ومن جايله كابن رشد، وابن ميمون وغيرهما، لتأتي رواية «حي بن يقظان» فلسفية مجازية تحرك الذهن للتفكير عن كل الأسرار الإنسانية الفطرية باختلافها وصعوبتها، وتصبح من روائع التراث الفكري الكلاسيكي الإسلامي كما ذكرنا، لما فيها من تأملات مثيرة للاهتمام.
معنى فلسفي
الرواية لا تخلو من المعنى الديني الفلسفي مع مفاهيم موجودة في القرآن الكريم، وكذلك الحياة البشرية، لكن من خلال الرواية هناك أيضاً علاقة وثيقة بين الفكر والحياة، وبالتالي اليقظة المحورية في كل الحياة والوجود الذي يعبر عنه القرآن الكريم. أما عنوان الرواية «حي بن يقظان».

فمن حيث المعنى حَيّ، وهي الروح الصغيرة التي يروي عنها، ويقظان من اليقظة وهي الفكر والعقل، للطفل المولود في جزيرة نائية ليتربى تربية الظباء، وكذلك يمكن أن يكون الاسم حي بن يقظان أي على قيد الحياة، ليأتي هذا الاشتقاق الروحي والفكري في النص الروائي ويناقش الغرض من روايته ليشير إلى ما يتجاوز الفلسفة والعقل، ويجذب القارئ إليه.
الروائي الطبيب
تقول المصادر إن المؤلف والمبدع الراوي أبوبكر محمد عبد الملك بن طفيل، الذي نشأ في إشبيلية وقرطبة، وكانتا من أهم المراكز الثقافية في شبه الجزيرة الأيبيرية «الأندلس»، قد اكتسب المعرفة الجيدة في الطب والرياضيات وعلم الفلك والفيزياء والعلوم الطبيعية الأخرى، حتى استقر طبيباً في غرناطة، وحسب اطلاعنا على حكم الجزيرة الأيبيرية في عهد المؤلف، كان يحكمها سلالة الموحدين، كان حاكمها مستنيراً ويهتم بالفلسفة اليونانية، وهو الخليفة أبو يعقوب بن يوسف.

ومن حسن حظ المؤلف أن الأندلسيين تأثروا بالفلسفة المشروحة لفلاسفة اليونان، وبالتالي فهموا أن العقل الذي اقترحه لنا أرسطو كان يحمل فيه جزأين بين المشابه والشكل، وهذا ما دفع ابن طفيل للشرح، وبكل صراحة نظرية المعرفة الشرقية وحكمتها القادمة من التعبير اليوناني «حكمة» أو «النور».. لينتهي بتأكيد وجود الله من خلال التأمل العقلي مع بطل الرواية «حي بن يقظان».

التأثير اليوناني

ما يلفت الانتباه أن الرواية المكتوبة منذ أكثر من 800 عام، فيها سحر خاص لفكر العلماء المسلمين والعرب وبالتحديد في الأصول الأساسية للمفاهيم الفلسفية والمعرفية، بل كل تأثير مارسه أفلاطون وأرسطو في هذا الموضوع، كما أنه من المدهش أن نلاحظ في الرواية الدور المدهش والحيوي الذي تلعبه العلاقة بين الفلسفة والدين، وكيفية تداولها حول الإنسان وقدراته المتجلية وعن أصل الحياة، وفي ذلك الزمن الذي كانت أوروبا مظلمة لأقصاها.

مقدمة الرواية

يبدأ السرد الروائي بكيف يولد ويعيش طفل في جزيرة مهجورة بعد أن رمي به من خلال علاقة محرمة، ليعيش في مناخ معتدل بالقرب من خط الاستواء في مكان ما بالمحيط الهندي، ويكبر من دون تدخل بشري، ووفقاً لهذا التكوين، (وهنا يتضح علم الراوي بوصفه طبيباً وفيزيائياً) يشرح كيف تخمر الطين يوماً وانضم مع الحرارة والبرد ورطوبة وجفاف لتسبب هذه العملية الفقاعات الطينية لتخلق بدورها الفضاء والروح، وتأخذ المركبات من الطين المخمر المرسلة الحية، والإنسان الذي يأتي إلى هذا الحيز الوجودي وبشكل عفوي.. ويمضي للحكاية بعد هذه المقدمة العلمية التي يقرؤها القارئ العادي كمقدمة خيالية.

الثقافة البشرية

الجزيرة النائية التي اختارها الروائي تحفز الخيال مع واقع الحدث والحماسة في مجتمع جديد بلا ثقافة بشرية ولا تقاليد، فكيف من الممكن أن ينمو هذا الطفل؟ لذا كان السرد تلميحاً عن جوهر الإنسان الدائم وفي جميع الثقافات والأمم، وهذه مزية لا يفكر فيها سوى قلة، وفي ذلك الزمن تحديداً.

أما نهاية الرواية فتنتهي العزلة لحياة البطل «حي بن يقظان»، وعودة المجتمع التقليدي لجميع الثقافات، لتبقى الرواية عالمية المنطق والفكر، وفي ذلك الوقت حيث جو التسامح في الأندلس حينها، فيتضح أن الحضارة الإسلامية كانت حافزاً للبحث في أوروبا ومن تلك الجزيرة الأيبيرية المسلمة المشرقة المجاورة لأفكار العصور الوسطى.

دراسات حديثة

 

قرأنا دراسات نقدية وتحليلات كثيرة عن الرواية، وكلها دراسات حديثة من فلاسفة أوروبيين ونقاد عرب، وبعد أكثر من 500 عام على غياب الرواية، أي بعد ترجمتها في عام 1674م إلى اللاتينية من قِبل المترجم إدوارد بوكوك، وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية عام 1708م عن طريق المترجم سيمون أوكلي لتطبع في لندن، وتدخل الرواية بالتدريج إلى أوروبا بترجمات فرنسية وإيطالية وألمانية غيرها.

وتأخذ حكاية الرواية إغواء جديداً وإيقاعاً مختلفاً، وتُخرج فكراً مستنيراً عن التعليم الذاتي والتقدم في معرفة الإنسان وكل ما ترمي إليه الرواية في جزيرة مجهولة وغير مأهولة، وكيف للإنسان أن يتعلم من المعرفة التجريبية إلى الحدس الغامض من خلال النظريات المكتشفة بالتدرج الطبيعي. احتفت أوروبا وبذهن جديد ومختلف عن ذهن العصور الوسطى بهذه الرواية.

وتأثر الكثير من المؤلفين الإنجليز والأوروبيين والأمريكيين فيما بعد، معلنين مدى تأثير «حي بن يقظان» في سردهم وخيالهم، خاصة ما يخص مكان الرواية والجزيرة البعيدة النائية التي تجعل من الإبداع والخيال مترقباً وحراً لا نهاية له.

أصبحت رواية «حي بن يقظان» من أقوى المدارس السردية الفكرية إتقاناً، في زمن حقق فيه الفلاسفة العرب مركزاً فكرياً مزدهراً في الوسط الثقافي الإسباني الأندلسي، فكان ذلك تعويضاً وإرثاً لابن طفيل بثقافته العقلانية الأرسطية اليونانية الواضح من خلال شرح صديقه ابن رشد لفلسفة أرسطو وتبسيطه لها.

وتعايش الحوار الفلسفي في جنوب إسبانيا، ليعلمنا من تلك الرواية أن السعادة الإنسانية النهائية هي الانتصار على البؤس، ولن يكون ذلك ممكناً إلا إذا تمكن الإنسان من تحقيق التركيز على تجربته الأصيلة الضرورية والتي لا بد منها، بحيث يتم إطفاء النفس أو إطفاء خصائصها للحصول على التجربة من خلال العقل.

12

كتب ابن طفيل رواية «حي بن يقظان» في القرن الثاني عشر، وهي أول رواية فلسفية صوفية في تاريخ الأدب العربي، تمتاز نصوصها بروحانية عالية.

1706
بدأ الاهتمام الإنجليزي بالأدب العربي مع توسع الاستشراق، حيث ترجم في هذا العام أول نص عربي إلى الإنجليزية لحكايات «ألف ليلة وليلة»، لتتبعها بعد عامين ترجمة رواية «حي بن يقظان».

1708
 

ترجمت هذه الرواية العربية إلى الإنجليزية عام 1708م، وكان ذلك بطلب خاص من جامعة أوكسفورد بإنجلترا، نظراً لأهميتها وقدرتها على ترقية العقل البشري، كونها عالمية المنطق والفكر.

       

 


الصفحة الرئيسية