[ad_1]
يعد آل الصبان من الأسر الحجازية ذات الأدوار المهمة في تاريخ السعودية، وفي الصفحة 157 من الجزء الثالث من كتاب «الدرر والياقوت في بيوتات عرب المهجر وحضرموت» لمؤلفه بدر الدين بن صالح الشهير بـ«ابن جندان الحسيني»، نقرأ أن آل الصبان أسرة حضرمية الجذور تعود إلى قبيلة كندة، انتقلت من حضرموت إلى الحجاز وسكنت القنفذة ومكة وجدة.
برز من الأسرة شخصيات احتلت مكانةً في دنيا الأدب والشعر والرياضة والتجارة وأعمال البر والإحسان ووظائف الدولة المختلفة، ولعل أبرزها الشيخ محمد سرور الصبان الذي وصفه أحمد أبوشادي «صاحب مدرسة أبوللو الشعرية» بـ«زعيم الحركة الأدبية في الجزيرة العربية»، وكتب عنه منصور العساف في جريدة «الرياض» (10/10/2014) قائلاً: «الصبان مسيرة حافلة وعطاء جم ورسالة سامية استطاع تحقيقها وأورثها للأجيال من بعده، لاسيما وأنه من أسرة عُرفت بجليل الأعمال وصادق الأفعال»، مضيفاً أن «الرجل كان طموحاً ينشد النجاح أينما كان، تواقاً إلى معالي الأمور، يعشق المهام الجليلة».
واشتهر الصبان بشغفه اللامحدود بالأدب والثقافة والعلوم، فقرأ منذ صباه كتب التاريخ والأدب والشعر والتراجم قديمها وحديثها، ونهل من معين العلماء والأدباء الكثير، ما جعله لاحقاً واحداً من رواد الحركة الثقافية والأدبية في السعودية.
ولد الصبان في مدينة القنفذة على ساحل البحر الأحمر عام 1898، وانتقل مع والديه وشقيقيه عوض وعبدالله إلى جدة عام 1902، وهناك التحق بالكتاتيب وتلقى دروس اللغة العربية والعلوم الشرعية. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى انتقل مع أسرته إلى مكة، والتحق بمدرسة «الخياط».
وعن تجربته الدراسية قال في كتابه «أدب الحجاز»: « تعلمتُ القراءة والكتابة والتجويد والحساب فقط لا غير في جدة ومكة المكرمة، في المدارس التي كانت موجودة في ذلك الحين، وتركتها للحياة العملية من غير أن أتمم دروسي»، شارحاً أنه «لم يكن للعلم دور يجد فيه الطالب المتعطش طلبه من العلم والأدب، اللهم إلاّ المدارس الابتدائية المحدودة، كما لا يوجد إلاّ كتاتيب بسيطة يفك فيها الطالب الحرف ثم يترك حبله على غاربه يشرّق أو يغرّب»، وذلك طبقاً لما أورده العساف في مقالة عنه بجريدة «الرياض».
أول كتاب
ويعد كتاب «أدب الحجاز» أول مؤلف ينشر للصبان، ظهر عام 1344 للهجرة الموافق للعام 1925 وتضمن، بحسب مؤلفه، آثاراً شعرية ونثرية لمجموعة من 15 أديباً حجازياً شاباً، كان من بينهم الصبان نفسه، الذي قال عن نفسه تندراً: «أما صورتي التي طلب مني أحدهم أن تكون في أول صفحة من الكتاب، ولم أوافق، فهي من قبيل قول القائل: (سماعك بالمعيدي خير من أن تراه).
لون أسود فاحم، يُضاف إليه طول القامة كأنك أمام عملاق من العمالقة وبقية الوصف أشفق على القارئ من إيراده ويكفيه أن الكتاب يُقرأ من عنوانه».
وفي السياق، كتب صديقه الشيخ محمد مغربي في الجزء الأول من كتابه «أعلام الحجاز»: «الصبان بائن الطول، سمهري القوام، داكن البشرة، عظيم الشفتين، أقنى الأنف، حلو النظرة، أنيق يرتدي العباءة العربية والعقال، وهبه الله سماحة في النفس فكان من أكرم من عرفت من الرجال، وكان يسع الناس ببذله وكرمه كما يسعهم بأخلاقه وحلمه».
وعن خصاله كتب مغربي، الذي زامله قرابة 9 سنوات في وزارة المالية: «كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكثيراً ما أشفقت عليه مما أرى، فكنت ألفت نظره بلطف إلى ما يفعل، ولكن أنى للسيل العارم أن يرتد، فقد جبله الله على الكرم والسخاء، وكان كثير الحياء كاتماً لأسرار الناس وكانت هذه الصفات فيه تمنعه من مصارحتهم بما يكرهون وبالإسراف في مجاملتهم وملاطفتهم، كما أن كتمانه لأسرار الناس كان يمنعه من تقصي أحوالهم».
تجارة حرة
بدأ الصبان حياته العملية بالتجارة الحرة مع والده، ثم إلى العمل الحكومي كاتباً لليومية في بلدية مكة زمن الهاشميين، مع احتفاظه بمكتبة لبيع الكتب كان يديرها أخوه عبدالله.
وترقى تدريجياً من وظيفة كاتب إلى أن وصل إلى وظيفة رئيس كتاب في تلك الحقبة من تاريخ الحجاز التي شهدت أيضاً انغماسه بالسياسة، حيث تأثر بالأحداث والتطورات الكبيرة بين عامي 1914 و1923 كالثورة العربية الكبرى واستقلال الشريف حسين عن الخلافة العثمانية وظهور دعوات الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا الاستقلالية، فانضم إلى مجلس الأعيان الموقعين على طلب تنازل الشريف حسين عن الحكم لابنه، وكان ضمن الشخصيات الـ24 الذين شكلوا «الحزب الوطني الحجازي» بقيادة الشيخ محمد الطويل رئيساً، ومحمد الدباغ سكرتيراً، وقاسم زينل أميناً للصندوق، استناداً إلى كتاب «الشيخ محمد سرور صبان.. حياته وآثاره» للمستشار هاني فيروزي، وحديث المؤلف لصحيفة الندوة السعودية (10/4/2008).
أما في العهد السعودي فقد استدعاه الملك عبدالعزيز إلى الرياض، وبقي ملازماً الشيخ محمد الطويل قبل أن يعودا معاً إلى الحجاز بمعية الملك الذي عينه في وظيفة معاون لأمين العاصمة المقدسة عام 1926، ثم ترقيته عام 1933 إلى وظيفة رئيس قلم التحريرات بوزارة المالية زمن وزيرها الشيخ عبدالله السليمان، ثم إلى منصب مدير عام إدارة وزارة المالية، فإلى منصب مستشار عام للوزارة.
وفي هذه الفترة من حياته حدث أن أسندت للشيخ محمد الطويل، الذي كان يتولى آنذاك إدارة «شركة القناعة للسيارات» بمكة، رئاسة أموال وجمارك المنطقة الشرقية، فخلفه الصبان في إدارة شركة السيارات، والتي كانت ذات أهمية للدولة حينذاك، قبل أن يؤسس الصبان شركته الخاصة للسيارات تحت اسم «شركة الفلاح» ويسند إدارتها إلى أخيه عوض، طبقاً لرواية الشيخ مغربي.
كفاءة وإخلاص
أثبت الرجل كفاءة نادرة، وثباتاً وإخلاصاً، بل كان من ذوي البصيرة والقدرة على إلحاق صفوة المثقفين والإداريين بدواوين الدولة الناشئة، ما جعل الملك عبدالعزيز يعينه وزيراً مفوضاً من الدرجة الأولى.
وحينما تولى الملك سعود الحكم، وطلب الشيخ عبدالله السليمان إعفاءه من حقيبة المالية، لم يجد الملك الجديد أمامه أفضل من الصبان ليخلف السليمان.
وهكذا دخل الرجل تاريخ بلاده كثاني وزير للمالية، واستمر كذلك إلى حين تشكيل الملك سعود حكومته الشبابية عام 1961، وكان الصبان وقتها يتلقى العلاج في أوروبا.
وبعد خروجه من وزارة المالية ظل الرجل في القاهرة، حتى دعاه الملك فيصل للعودة إلى وطنه، ليكلفه عام 1962 بتأسيس رابطة العالم الإسلامي، تطبيقاً لقرار مؤتمر العالم الإسلامي الذي عقد في تلك السنة بمكة، فتولى الصبان منصب الأمين العام للرابطة بين عامي 1962 و1970، باذلاً الكثير من الجهد والمهارة (دون تقاضي أي راتب)، لتحويل الرابطة إلى كيان كبير رغم قلة مواردها.
وبعد عامين من تركه للمنصب (1972) توفي بالقاهرة إثر نوبة قلبية دهمته، وتم نقل جثمانه جواً، وصلي عليه في المسجد الحرام، ودفن بمقبرة المعلاة بمكة.
هوايات
لم تمنعه مهامه ومسؤولياته الحكومية الجسيمة من إهمال هواياته في القراءة وشغفه بالمطالعة، ونظم القصائد، ورفد المكتبة العربية بالمؤلفات النافعة.
فأسس «الشركة العربية للطبع والنشر» التي اشترت من الشيخ محمد نصيف جريدة ومطبعة «الحجاز»، وقام بطباعة ونشر العديد من الكتب على نفقته الخاصة وتوزيعها بالمجان. من الكتب ما ألفه بنفسه مثل «أدب الحجاز» (1925) و«المعرض» (1926).
ومنها ما طبعه لغيره مثل «خواطر مصرحة» لمحمد عواد و«تفسير معاني كلمات القرآن» لمفتي الديار المصرية الأسبق محمد مخلوف و«العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين» لمحمد الفاسي و«شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام» للتقي الفاسي و«الصحاح» للجوهري و«مدارج السالكين» لابن قيم الجوزية و«ديوان فؤاد الخطيب» و«تهذيب الصحاح» للزنجاني، تاركاً خلفه بمكة مكتبة خاصة بأكثر من 5000 كتاب من أمهات الكتب المطبوعة والمخطوطة في شتى مجالات المعرفة، وقام ابنه عبدالرحمن بالتبرع بها لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
وفي مجال اهتماماته الشعرية، نجد أنه كتب القصيدة العمودية ذات الموضوعات الوجدانية والتعليمية بلغة سلسة ومعان واضحة، ونشر نماذج من القصائد في كتابه «أدب الحجاز» الذي أعاد طبعه بالقاهرة 1958 تحت عنوان «أدب الحجاز أو صفحة فكرية من أدب الناشئة الحجازية».
كما لم تمنعه الأعباء الوظيفية الملقاة على عاتقه من الاهتمام بالمشاريع والمبادرات الخيرية، فكان أن ظهرت على يديه «جمعية الإسعاف الخيري» عام 1934، والتي عـُدَّتْ بمثابة نواة المؤسسات المدنية ذات الدور الاجتماعي في السعودية، ثم «جمعية قرش فلسطين» عام 1935، فلجنة الدفاع عن فلسطين عام 1937.
رائد اقتصادي
ويعد الصبّان من رواد العمل الاقتصادي والتنموي بالمملكة، فبُعيد تعيينه مديراً لإدارة وزارة المالية مطلع الخمسينات، ساهم في تأسيس عدد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى ذات الصلة بالوظائف التنموية المؤدية إلى تحديث المجتمع والدولة، وترسيخ مبادئ الليبرالية الاقتصادية، متأثراً بما فعله الاقتصادي المصري طلعت حرب.
فعلاوة على تأسيسه شركة الفلاح للسيارات والشركة العربية للطبع والنشر، ظهرت على يديه شركات أخرى مثل الشركة العربية للسيارات والشركة العربية للتوفير والاقتصاد والشركة العربية للصادرات وشركة ملح وكهرباء جازان وشركة الزهراء للعمارة وشركة مصحف مكة.
أعلام
ومن أعلام آل الصبان الشيخ عبدالرحمن الصبان الذي يعد من رواد الحركة الرياضية في السعودية، من مواليد مكة 1922، اهتم بالحركة الرياضية، فكان من أوائل من ساهم في تأسيسها ورعايتها، وتجلى ذلك أولاً في مشاركته بتأسيس نادي الوحدة بمكة وتولي مهمة الإدارة والإشراف على الشؤون المالية والإدارية والفنية للنادي مع زميله ورفيق دربه أحمد قاروت، وتجلى ثانياً في قيامه بتذليل الكثير من الصعوبات التي واجهت النادي في سنوات التأسيس الأولى، لاسيما الصعوبات المالية.
ولم تنقطع علاقته بنادي الوحدة، بعد أن قرر الانتقال للإقامة بجدة وتسليم رئاسة النادي لكامل أزهر، إذ ظل يقدم له الدعم والتشجيع، مثلما فعل مع الأندية الصغيرة الناشئة في الحجاز.
ومن مآثر الرجل التي لم تنسَ، قيامه بإنشاء أول استاد رياضي منظم في جدة بسعة 12 ألف متفرج وبكلفة بلغت 80 ألف ريال على أرض تبرع بها الأمير عبدالله الفيصل، عُرف بـ«ملعب الصبان» وكانت تقام عليه مباريات كرة القدم بين فرق مكة وجدة وغيرهما، كما استضاف نهائيات منافسات كأسي الملك وولي العهد بالستينات، وأول لقاء جمع قطبي جدة (الأهلي والاتحاد) في كأس ولي العهد عام 1958، قبل أن يبادر الشيخ إبراهيم إسلام بإنشاء ملعب إسلام بمكة الذي أصبح ملاذاً لأنشطة الأندية الرياضية.
ومن مآثره الرياضية الأخرى أنه رسخ مبدأ التآخي بين الأندية الرياضية ونبذ التعصب الرياضي، بدليل أنه شغل في أوائل الستينات منصب نائب رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي بجدة في الوقت الذي كان فيه أحد أعضاء مجلس الشرف الفاعلين لنادي الوحدة بمكة. هذا علماً بأن شقيق الشيخ عبدالرحمن واسمه حسن، ترأس نادي أهلي جدة في مرحلة من أصعب المراحل في تاريخ هذا النادي العريق، وهي المرحلة التي أعقبت ابتعاد رمزه الكبير ومؤسسه عمر شمس.
توفي عبدالرحمن يوم 25 مارس 1998 عن عمر ناهز 76 عاماً. وتقديراً لجهوده في خدمة الشباب وتطوير الرياضة السعودية، تم تكريمه عام 2006 من الرئيس العام الأسبق لرعاية الشباب الأمير سلطان بن فهد، بمنحه وسام الرئاسة العامة لرعاية الشباب.
العاشق الوحداوي
ولا يكتمل حديثنا دون ذكر عبدالوهاب الصبان الذي ارتبط اسمه بالحركة الرياضية السعودية وبنادي الوحدة المكي تحديداً، حتى صار يُشار إليه بـ«العاشق الوحداوي». وهو من مواليد مكة وممن تلقوا تعليمهم الجامعي بالقاهرة بالستينات، ومن الذين عُرفوا باهتماماتهم الأدبية والثقافية والتربوية.
بعد عودته من مصر، تنقل بين التعليم والرياضية فكان (طبقاً لصحيفة مكة بتاريخ 27/3/2014): «معلماً بمدرسة الملك عبدالعزيز الثانوية، ومدرباً ومؤسساً لكرة اليد بنادي الوحدة، ومدرباً لكرة السلة، ومشرفاً تربوياً ورئيس قسم التربية الرياضية بتعليم مكة، ونائب رئيس مجلس إدارة نادي الوحدة من 1400 إلى 1405، ومشرفاً على كرة القدم، وعضو لجنة تطوير لوائح الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وعضو تنظيم الدورة الرياضية الإسلامية بمكة المكرمة».
إضافة إلى خدمته لنادي الوحدة على مدى 4 عقود وترأسه مرتين، ومن الذين كرمهم الاتحاد الآسيوي بمنحهم الجائزة الذهبية تقديراً لدورهم الريادي في تطوير الرياضة في القارة الآسيوية.
حياة هادئة
كتبت صحيفة «الندوة» عن الحياة الأسرية لمحمد سرور الصبان، على لسان خالد بن علي الحناوي، أحد قدامى موظفي وزارة المالية بمكة: «عاش الشيخ محمد سرور الصبان حياة أسرية هادئة ومثالية وكان حنوناً كريماً أباً وأخاً لكل أفراد أسرته، شديداً في غير عنف، وحنوناً في غير ضعف وتزوج بزوجتين وأنجبت له الأولى حسن (كني به) وعبدالرحمن وزوجته الأخرى هي خديجة حناوي وأنجبت له جواهر ومصباح وعبدالباري.
ورغم وجود كل عوامل الحياة المرفهة وعدد من الخدم والحشم غير أن أموره الخاصة كانت المسؤولة عنها زوجته خديجة حناوي، فكانت هي القائمة على خدمته وراحته فيما يخص مطعمه ومشربه وملبسه وطيبه وبخوره، إلى أن يغادر منزله إلى عمله».
صفحة مُتخصّصة بالتأريخ الاجتماعي لمنطقة الخليج العربي